176

الأخيرة ، أي العاصمة الثقافية للبدان 2017 جرى اختيار عمّان، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، عاصمة للثقافة الإسلامية للعام الأعضاء في «المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو»، وهي التي قررت هذا الاختيار. وتضمن برنامج فعاليات هذه السنة، برامج فنية وندواتفكرية ودورات تدريبية في الفنون لمجتمع المدينة، وإصدار مجموعة من الكتب، وغيرها. على أنهذه المهمة، التيسبق أن تولتها مدنعربية وإسلاميةعديدة علىمدار السنوات الفائتة، يمكن أن تكونفرصةمتجددة سنوياً لكل مدن العالمين العربي والإسلامي التي ستتولاها، لتعميق دور الثقافة في المسألة الحضارية، أي في العمل على تطوير المفاهيم السلوكية للمجتمعات العربية والمسلمة، وتنميتها، علىطريق المضي بشعوبنا وبلداننا إلى حالة أكثر تقدماً. ما يجب ملاحظته هنا، أن التطوّر الهائل في وسائل الاتصال الذي يشهده عالمنا اليوم، ترافق مع تغيّرات كثيرة في المفاهيم في المحصلة- – والبنى والمؤسسات والصيغ والأشكال، في حقول ومجالات عديدة، ومن ذلك «العمل الثقافي» الذي يُعنى بالمنتجات الثقافية من فنون وفكر وأدب، ويبني من خلالها تواصلاً بين منتجي تلك المنتجات (الكُتّاب، الفنانون،..) ومتلقيها من أفراد المجتمعات. والحاصل أن الصيغ القديمة القائمة على مبدأ التلقين (تماماً كالتعليم الذي كان قائماً على التلقين)، لم تعد تلقى رواجاً بين الناس. نشهد ذلك في الأمسيات الشعرية والقصصية والندوات والمحاضرات والعروض المسرحية والمعارض الفنية، التي يستنكف الجمهور عن حضور معظمها، ويحضر بعضها استثناءً لسبب ما استثنائي، محدد ومحدود ومؤقت، وذلك أمر نادر على أية حال. هذا ما يولّد حاجة ملحّة، في عواصم الثقافة الإسلامية وفي غيرها، لبناء شكل جديد للعمل الثقافي، لا بد أن يُشتق من الواقع الجديد، أي الواقع الذي يشاركفيهكل الناسفي إنتاج المنتجات الثقافية. ولما كان المغزى النهائي للثقافةهو الارتقاء بمنظومة القيم في أي مجتمع، أي بسلوكه اليومي وطبيعة ردود أفعاله على ما يجري حوله ويشارك فيها من أحداث، فيؤدي تطور الذائقة الفنية والأدبية والفكرية، إلى تقدّم الإحساسبالجمال على حساب الاحتكام إلى القوة وأدواتها، المادية والمعنوية، ما يسهمفي دفع المجتمع قدماً باتجاه المدنية، بما فيها من احترام للقانون وللآخر المختلفوالمخالفوللواجبات، وبعيداً عنشريعة الغاب وقانونها الشهير «القوي يأكل الضعيف». الشكل الجديد لا بد أن يغادر التلقينية، نحو التواصلية والتفاعلية، وفيها يتواصل المُنتَج الثقافي ومُنتِجه، مع جهور المتلقين، الذين يتفاعلون معه مباشرة في نقاش أو حوار أو تدريب عملي. والأفضل أن يذهب المُنتج الثقافي وصاحبه إلى الناس، في الساحات العامة، لا أن ينتظر حضور الجمهور إليه في القاعات المغلقة. لعل نقطة البدء في ذلك، تكمن في تغيير «الخطاب الثقافي» السائد في العالم العربي، الذي يجعل المنتجات الثقافية غاية التمويل، بدل أن تكون وسيلته من أجل تحقيق التنمية. والمعنى أن مطالب التمويل ستكون محقة أكثر لو اتضحت الأهداف التنموية الاستراتيجية المرتجاة في المجتمعات من وجود المنتجات الثقافية، وليس فقط ماهية تلك المنتجات الثقافية، وأهلية القائمين عليها من مثقفين وفنانين، وذلك لأن التمويل سيتكرس ساعتها باعتباره موجهاً للمجتمعات من خلال هؤلاء المثقفين والفنانين. ومنفائضالقول إنمساعي التنميةمنخلال المنتجات الثقافية، لا يجوز أن تنطويعلى أدلجة تلك المنتجات أو تحميلها خطاباً مباشراً فظاً، فيكفي على سبيل المثال أن تتولى الفنون البصرية مهمة رفع الذائقة البصرية لدى المتلقين، ليكون لها دورها -بعيد المدى- في الانتقال من ثقافة تقوم على الإكراه، إلى ثقافة تقوم على الحريّة. والحال أن ثمة حاجة لتغيير ثقافي جذري في كل شيء، في عالمنا العربي، بدءاً من خطاب العمل الثقافي وصولاً إلى أشكاله ومؤسساته، إذا كنا نؤمنحقاً أن الثقافة ما تزال أداة ممكنة للنهوضالحضاري، من باب تنمية الإنسان والمجتمعات. سامر خير أحمد مدير عام مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية • عاصمة الثقافة الإسلامية 176 العدد 98

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI2MTI5NQ==