180
67 180 المدينة العربية / العدد وزودت بقنوات وسدود تجلب إليها مياه الأمطار والسيول من الأودية المجاورة لها. براعة المسلمين الأوائل بناء هذه البرك يدل على براعة المسلمين الأوائل في العمارة والخبرة الجيدة في إقامة الإنشاءات المائية. وبالنسبة لتخطيط مسار طريق «درب زبيدة» وتفرعاتها، فقد تمكن المهندسون من تحديد مساراتها بشكل مستقيم في معظم أجزائها، وتجتاز أراضيسهلية مستوية، ومناطق وعرة وخشنة، وصحاري كثيفة مقفرة حتى تصل إلى جبال الحجاز ذات التضاريس الصعبة التي تخترقها الأودية الضيقة والعميقة. وسُهّلت الطريق بقطع الممرات بين الثنايا والجبال، وحُمي مسار الطريق بجدران مرتفعة على جانبيه، ووضعت مدرجات عريضة في مواضع الصعود والنزول في المناطق الجبلية الوعرة. وبرع المهندسون في رسم الطريق بتفادي مساقط السيول الجارفة. وتدل آثار التمهيد والرصف على خبرة المهندسين المسلمين في تحديد الطرق ورسمها بأساليب هندسية دقيقة. ومحطة رئيسية في النقطة التي تحدّد ثلث الطريق من الكوفة، حمى لإبل الصدقة وخيل المسلمين. واستمرت الحياة في الربذة من بداية عصر صدر م، حيث لم تعد 917 - هـ 319 الإسلام وحتى سنة الحياة صالحة فيها، فرحل عنها أهلها. نمط للعمارة الإسلامية أوضحت الدراسات الأثرية أن المنشآت المعمارية على طريق حج الكوفة - مكة، تمثل نمطاً معمارياً فريداً للعمارة الإسلامية المبكرة في جزيرة العرب. ويتمثل ذلك في أسلوب التخطيط المعماري والوظائف المختلفة. كما تميزت المباني بسماكة الجدران وأبـراج الحماية. وزودت الوحدات البنائية للمنازل والدور السكنية، كما هو الحال في الربذة، بخزّانات لحفظ مياه الشرب تحت مستوى أرضيات الغرف والساحات والممرات. كما أنّ الكثير من المحطات كانت تشتمل على الأسواق والحمامات العامة وغير ذلك من المرافق الأخرى. أما بالنسبة لبرك المياه فقد أوضحت الدراسات التوثيقية أن البرك والأحـواض حُفرت وبُنيت على امتداد الطريق على مسافات متفاوتة ومحدّدة، بعضها بالقرب من المحطات والمنازل، وبعضها الآخر في أماكن نائية عنها. ولا تزال معظم تلك البرك واضحة للعيان بمعالمها وتفاصيلها المعمارية الدقيقة، بينما طمرت الرمال جزء منها. وتتنوع مساحات البرك وأشكالها، فبعضها صّمم بشكل دائري، وبنيت أخرى بشكل رباعي ومستطيل التخطيط. وزودت البرك بأحواض ترسيب (مصافٍ)، ودُعمت جدرانها من الداخل بأكتاف نصف دائرية أو نصف مربعة، للحفاظ عليها من ضغط مياه السيول التي تصب بداخلها، كما أن بعض البرك صممت بحيث تكون جدرانها الداخلية مدرجة بكاملها، من جهته أوضح الدكتور حسين أبو الحسن، المستشار بقطاع والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن الهيئة أجرت مسحاً كاملاً لدرب زبيدة الأثري، ورممت بعض معالم الطريق، وأهّلت ضمن مشروع «طرق التجارة والحج القديمة بالمملكة». وأضـاف أن «درب زبيدة من المواقع التي حظيت باهتمام الهيئة منذ مدة طويلة، بدءاً بإجراء مسح كامل على معالم الطريق ووضع خرائط لها وإجراء عدد من الدراسات العلمية، كما أنّ الهيئة ممثلة في قطاع الآثار رممت بعض معالمها، ونُفّذت أعمال بحثية علمية في بعض المواقع الرئيسية على درب زبيدة، ومنها أعمال التنقيب الأثري والترميم والتهيئة لموقع فيد الأثري في منطقة حائل الذي يعد محطة رئيسية على امتداد طريق درب زبيدة، حيث نسّقت الهيئة مع إمارة المنطقة والهيئة العليا لتطوير منطقة حائر، بإجراء تنقيبات أثرية وترميم للمعالم الأثرية المكتشفة، وتنظيف البرك وترميمها، وإيجاد ممرات للسيّاح داخل الموقع ووضع لوحات تعريفية، ويجري العمل على إنشاء متحف خاص بالموقع، وكل هذه الأعمال لا تزال تجري وفقاً لاتفاقية موقعة بين هيئة السياحة وهيئة تطوير حائل. عراقة التاريخ
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI2MTI5NQ==