الصبيح: مسؤولية الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة، و السعي نحو التطور والحداثة لا يمنعنا من الحفاظ على هويتنا التراثية
رئيسة بلدية تونس: استضافة تونس ورشة العمل هو اعتراف بنجاعة الاستراتيجيات المتبعة لحماية تراث المدينة المادي واللامادي
وزير الشؤون الثقافية: المدن الذكية هي المرجعية الأساسية التي تعطي حقا وواجبا للمواطن في نحت تفاصيل المدن الثقافية
الدحيات: اصبح اندماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أمراً ملحاً وحاجة ضرورية في العمليات الأساسية للمدن
تحت رعاية أمين عام منظمة المدن العربية المهندس احمد حمد الصبيح ورئيسة بلدية تونس شيخة المدينة رئيسة مؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية وبالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية و وزارة السياحة والصناعات التقليدية والديوان الوطني للسياحة التونسية، عقدت مؤسستي التراث والمدن التاريخية العربية والمنتدى العربي للمدن الذكية ، من مؤسسات منظمة المدن العربي، ورشة عمل " المدن الذكية ودورها في المحافظة على التراث" 25-26 نوفمبر 2019 في فصر بلدية تونس – الجمهورية التونسية.
جاء تنظيم ورشة العمل تبعاً لتوصيات المجلس التنفيذي في دورته السادسة والخمسين والمؤتمر العام الثامن عشر لمنظمة المدن العربية فن العاصمة الأردنية عمّان الخاصة بتوطيد العلاقات بين مؤسسات المنظمة وتنظيم أنشطة وفعالية للتوعية بأهمية التراث ومدى تأثيره في النهوض بالمدن العربية.
وهدفت ورشة العمل إلى التعريف بأهمية المدن الذكية وأبرز مكوناتها وخصائصها ومزاياها وكيفية تطوير مفاهيمها والنظر في أساليب الحفاظ على التراث العمراني في هذه البيئة الذكية من خلال تبادل الخبرات العلمية والتجارب التقنية الناجحة وسبل توفير خدمات التأهيل والتجريب في مجال التحول الرقمي والذكي.
افتتحت أعمال ورشة عمل " المدن الذكية ودورها في المحافظة على التراث "بحضور وزير الشؤون الثقافية في الجمهورية التونسية الدكتور محمد زين العابدين، وأمين عام منظمة التراث العالمي دوني ريكار وعدد من رؤساء مدن وبلديات عربية وتونسية وأساتذة وخبراء في مجال التراث والتقنيات الحديثة.
قال أمين عام منظمة المدن العربية المهندس احمد حمد الصبيح في كلمة القاها في افتتاح أعمال الورشة "أن أهمية هذه الفعالية تكمن في محتواها من أوراق العمل لتفعيل البعد التراثي في الإدارات المحلية بما يساعد مدننا في الحفاظ على موروثها الجميل في ظل التطور الذي تعيشه المدن. وأن عنوان الورشة يأتي من صميم رؤيتنا بأهمية التراث الذي يرتبط بماضينا ارتباطا وثيقا.. و يُعد حجر الأساس الذي تقوم عليه ثقافة الأمم في تاريخها وحاضرها" لافتاً إلى أن الفعالية بمثابة انطلاقة لورش عمل مماثلة تركز على الجانب التراثي ودوره في حياة المدن في إطار عملنا المشترك على طريق النمو المستدام.
وأكد الصبيح أن التراث يمنح كل مجتمع هويته التي تميزه عن غيره من المجتمعات، كما يمنحها قيمتها الاجتماعية والثقافية والأدبية والعلمية والفنية ..باعتباره المكون الأول للحضارة. وقال" أن التراث ينتقل من الماضي والتاريخ القديم إلى الحاضر بكافة أشكاله وأنواعه عن طريق اللغة والتعليم وأنظمة المحاكاة الحديثة، ما يدفعنا للعمل على وضع الخطط وإعداد البرامج التي من شأنها أن تحافظ على تراثنا وقيمنا من اجل الأجيال القادمة، لاسيما و أن عالمنا اليوم بما يميزه من تقدم وتطور تقني يمنحنا مجالاً واسعا لحماية التراث وتوظيف التقنيات الحديثة في هذا الاتجاه". مؤكداً حرص منظمة المدن العربية ومنذ تأسيسها في العام 1967 في مدينة الكويت على احتضان المدن العربية ودعم مسيرة العمل التنموي بمفهومه الشامل إلى جانب الحفاظ على هوية المدينة العربية التي تشكل جزء لا يتجزأ من ماضيها العريق.
وأضاف قائلاً: جميعنا يعلم أن مسؤولية الحفاظ على التراث هي مسؤولية مشتركة، وأن السعي نحو التطور والحداثة لا يمنعنا من الحفاظ على هويتنا التراثية وما يميزها من أصالة وعراقة... فهناك مدن عربية حققت تجارب ناجحة في التوفيق بين التراث الثقافي والتنمية الحضرية، لذلك بات من الضروري مواكبة عملية التنمية في مختلف المجالات بما يتماشى مع رؤيتنا في الحفاظ على هوية المدينة وتاريخها.
من جهتها أكدت رئيسة بلدية تونس شيخة المدينة ورئيسة مؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية سعاد بن عبد الرحيم أهمية انعقاد ورشة العمل وبأن تنظيمها في تونس هو اعتراف بنجاعة الاستراتيجيات المتبعة لحماية تراث المدينة المادي واللامادي وهو ما جعل مدينة تونس تحظى باهتمام العديد من المؤسسات والمنظمات العالمية.
من جانبها أشارت مدير عام المنتدى العربي للمدن الذكية المهندسة سميرة الدحيات إلى أن عقد ورشة العمل هو تجسيد للتعاون و للعمل المشترك بين مؤسسات منظمة المدن العربية من أجل مسيرة النمو المستدام في مدننا العربية، وتفعيل لتوصيات المجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية في دورته السادسة والخمسين الذي انعقد في عمّان بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وقالت: "نعلم جميعاً الإمكانيات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات وأهمية توظيفها واستثمارها في مشاريع تنموية محلية مختلفة، حيث أن التطور المتسارع وتنامي الاحتياجات وتنوعها وتغلغل التكنولوجيا في جميع مفاصل الحياة، أصبحت تفرض علينا إيجاد حلول سريعة تلبي احتياجات المواطنين ورجال الأعمال والمستثمرين، وتقديم خدمات ذكية تحقق رضاهم لا بل وتفوق توقعاتهم بكفاءة وفاعلية كبيرة، خاصة وأن العالم يعيش تغييرات جذرية من تزايد سكاني، تقدم تكنولوجي، تنافس في الأسواق وسرعة في اتخاذ القرار، الأمر الذي يحث المدينة على مواكبة هذه التطورات، بل استباقها بالتخطيط والتنبؤ عبر استخدام مفاتيح النجاح التي تجعل المدينة ذات تقدم اقتصادي وجودة في الحياة وصديقة للبيئة.
وأكدت الدحيات أن موضوع اندماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبح أمراً ملحاً بل أصبح حاجة ضرورية في العمليات الأساسية للمدن التي تسعي للتحول الإلكتروني والذكي المستدام، وذلك من خلال توفير بنية تحتية تعتمد على تطبيقات و برمجيات وأنظمة وحلول ذكية ومشاركة المجتمع بجميع مكوناته لمعرفة احتياجاته ومطالبه واهتماماته.
واختتمت كلمتها قائلة: "أن تراث أي أمة هو عنوان هويتها وتاريخها، فلا بد أن يكون الحفاظ على هذا التراث من أهم الأولويات، ولن يكون ذلك سهلاً في ظل نمط الحياة المتسارع والتطور التكنولوجي الكبير ، وعليه فإن السعي إلى استعمال هذه التكنولوجيا في توثيق ونشر وحفظ التراث وتوريثه للأجيال اللاحقة سيمكن الأمم من مواكبة التطورات العالمية بالتوازي مع حفاظها على أصالتها وتاريخها وهويتها .
من جهته أشار وزير الشؤون الثقافية التونسي الدكتور محد زين العابدين إلى متانة علاقات التواصل والتعاون القائمة بين وزارة الشؤون الثقافية وبلدية تونس في مجال المحافظة على التراث والاشتراك حول مفردات المواطنية والسلطة المحلية لما تتميز به من التزام بالسعي لتفعيل الأهداف الوطنية التي تنتصر للمواطن بما له علاقة بالسلطة المحلية وقدرته على التعبير عن ذاته وبناء شراكة ثقافية تراثية وحضارية.
وأوضح أن وزارة الشؤون الثقافية تعتمد في سياستها الاستراتيجية الوطنية للثقافة على تثمين مفهوم المدينة عبر اعتماد برامج وطنية وهي " تونس مدن الفنون " و "تونس مدن الحضارات" و"تونس مدن الآداب والكتاب "، وذلك تفعيلا للحق الدستوري في الثقافة التي تنبعث من المواطن وإليه فهي ثقافة مواطنية تنادي بالانخراط في الفعل الثقافي حسب المرجع الجغرافي لرسم ملمح تشاركي عام يجمع بين ثقافات مختلفة بهدف النهوض بالثقافة التونسية.
واعتبر الوزير زين العابدين أن المدن الذكية هي المرجعية الأساسية التي تعطي حقا وواجبا للمواطن وهو ما يتبلور عن طريق مساهمات الأدباء والشعراء والفنانين عامة في نحت تفاصيل المدن الثقافية. كما اعتبر الوزير أن الحديث عن المدن الذكية يعبر عن طرح جديد مفروض على الجهات الفاعلة بحكم وسائل الاتصال الجديدة وهو ما يدفع إلى العمل وفق مفهوم الاقتصاد الثقافي الرقمي الذي يمكن من سهولة تبادل المعلومات وتخصيص هذه الحوامل الجديدة في اقترانها بالذكاء الإنساني والتكنولوجيا الحديثة والمحافظة على التراث والآثار.
تضمنت ورشة العمل على مجموعة من أوراق العمل حول "تعريف المدن الذكية ومكوناتها وتطور مفاهيمها" " أهداف وخصائص ومزايا وتحديات المدن الذكية" " أساليب الحفاظ على التراث العمراني في بيئة المدن الذكية" "حفظ معالم مدينة تونس والتعريف بها عبر مشروع -مدينة بيديا" إضافة لعرض تجارب ناجحة في مجال التحول الرقمي " بنزرت المدينة الذكية" و "المدينة الذكية بصفاقس" و " مشروع تبرورة ومدينة صفاقس-التفاعل والاندماج والتكامل".
تم خلال انعقاد ورشة عمل " المدن الذكية ودورها في المحافظة على التراث" زيارة ميدانية للمدينة العتيقة لاكتشاف معالمها التاريخية وعرض تجربة جمعية صيانة مدينة تونس من خلال استخدام التقنية الرقمية للتعريف بها وتثمينها.
في ختام أعمال ورشة العمل صدرت التوصيات التالية:
1- إنشاء قاعدة بيانات لإدارة تراث المدينة بإدارة ذكية عن طريق التواصل المشترك والتنسيق بين المنتدى العربي للمدن الذكية ومؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية وبقية المدن العربية وتوثيق التجارب الناجحة وأفضل الممارسات بالخصوص .
2- إلغاء مصطلح متساكنون وتغييره بــ "مواطنون" واعتبار أنّ الإنسان هو مركز الفعل ولا بدّ من توعيته في مجال المحافظة على التراث، مما ينعكس إيجابيا على مصلحة المواطنين و الزائرين و السائحين، فضلاً عن تحفيز حركة الاستثمار و الاقتصاد وسرعة تقديم الخدمات للجميع بأقل كلفة و وقت و جهد مما يؤدي لرفع مستوى الراحة و الرفاهية للجميع.
3- إعداد استراتيجية متكاملة للإدارة الذكية للتراث و الحرص على رقمنة المؤسسات الخدماتية.
4- تعميم مبادرة " لنحدثك أكثر عن مدينة تونس " وبعدة لغات والتي تم إطلاقها من قبل جمعية صيانة مدينة تونس، وتوسيعها لتشمل بقية المدن التونسية والعربية.
5- حث البلديات والمدن التونسية على التواصل مع المنتدى العربي للمدن الذكية ومؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية للتنسيق حول تنظيم ورشة عمل مشتركة.
6- تطوير مؤشرات للمدن الذكية تراعي خصوصية المدن العربية (على المستوى العربي) مع الأخذ بعين الاعتبار جميع مجالات ومحاور إدارة المدن الذكية بما فيها مجال المحافظة على التراث و التأكيد على الاهتمام بالمؤشرات الصحية في أيّ عملية تخطيط أو تهيئة عمرانية لمدننا الذكية الجديدة و تأهيل مراكزها التاريخية لمواكبة التطورات التكنولوجية.
7- توفير فضاءات خاصّة بالمترجّلين في المدينة عند القيام بالتخطيط وعمليّات التهيئة.
8- تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص عن طريق إطلاق مبادرات واقعية تم تطبيقها وتنفيذها في مدن عربية ولاقت نجاحاً وقبولاً .
9- تفعيل اتفاقية التعاون بين منظمة المدن العربية و منظمة مدن التراث العالمي و التي تم التوقيع عليها في المؤتمر العام الخامس عشر في 3/10/2010 في الكويت من خلال "وثيقة تفعيل اتفاقية التعاون" والتي تم توقيعها في 26/11/2019 في تونس من أجل تعزيز التعاون وتظافر الجهود وتبادل المعلومات عبر تنفيذ مقتضيات الاتفاقية. وتتولى مؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية التنسيق بين الطرفين وتقديم مقترحات وبرامج تقارير دورية حول مضمون الاتفاقية.